
زاوية من غرفة مظلمة
ترتجف الكلمات في الحلق ، تغص العيون بالدموع،وبعد تنهداتٍ وآهاتِ الطفولة المعذبة تأتي الصّرخة بكل حرقة.. بكل غصة.. من أهدر الطفولة ودمر أحلامها ؟؟ طفل لا ينتمي لعالم الطفولة إلا بحجمه،حتى شكله بات أشبه بعجوز قد أكل الدهر عليه ،عجوز بكل تقاطيع يديه،وعينيه اللتين ما إن تراهما حتّى تدرك ما ناله هذا الكائن شبه الحي من ظلمٍ،قهرٍ وعذاب. طفل محرومٌ من كل ذرّة حنان، بغضّ النّظر عن منبعها،منفيٌّ عن ذاك الحضن الدّافئ الذي يسمع عنه ليس أكثر،حضن الأمّ الحنون. مُهجّرٌ عن كنف الأبوّة.. لا يدرك ما معنى أن تكون له أسرة مترابطة وبيت دافئ وجوٌّ عائليّ حميم.. لم تذقه الحياة سوى المرارة ولم تُرِهِ إلا أيامها السّوداء ،تنطوي الشوارع على ألف حكاية وحكاية لأطفال جعلوا منها مأوى، وبديل حضنٍ عوضًا عن ذاك الذي قذف بهم إليه.. فأصبح الشارع بالنسبة إليهم أدفء من رحمٍ ّ احتواهم لتسعة أشهر لا أكثر،ولقد سلبت وما تزال تسلب مع كل شمس يومٍ جديد أحلام الطفولة البريئة من عيون أطفال باتوا لا يمتّون للطفولة بصلة. تحتار بينك وبين نفسك بأشكالهم, بأساليبهم, بمدى صدقهم…تشك في طيبتهم قبل أن تدرك أن الشوارع قد أضاعتها بين أزقتها.. ومزّقت براءتهم إربا إربا .. تشعر في بعض الأحيان أنهم يفوقونك ذكاء ا.. وأحيانا أخرى تدمع لسذاجتهم.. وتبقى غارقا بين دوامات تقذف بك يمينًا وشمالًا.. فلا تصل لأيِّ نتيجة تشفي أسئلتك! قصصٌ …حكاياتٌ سرقناها من أصحابها لنبرز حجم المأساة التي يعيشونها. فمنهم من تجاوب معنا, ومنهم من تردد,ومنهم من لاذ بالفرار كمجرم يهرب من قبضة العدالة، ولعلّه من العدل أن نقول دون تردد. و أخيرًا وليس آخرًا أنَّ أطفالنا هم جيل المستقبل وهم من سيمثّله,فإمّا أن يعلو به إلى الرّيادة أو يجعلوه أسفل السافلين. أغلب الناس لا يعرفون من طفل الشارع سوى ذاك الكائن المتسخ,اللص.. لا يحاولون الغوص فيما يخفيه هذا المخلوق من مآسي ومصائب, وما الذي أجبره على التشرد. فيجب أن نعي وندرك أن هؤلاء البراعم الصغيرة هم جواهر ثمينة كلما حافظنا عليها, كلّما ازداد بريقها. إنهم طاقة المستقبل والأمل المنتظر. جدير بنا أن نسعى لنجاحهم ومساندتهم حتى يصلوا بأنفسهم وبالوطن إلى مصاف الناجين من الإعصار . هم شعلةُ علينا أن نحميها من أي ريحٍ ونحافظ على اتقادها.. فقد قسا القدر عليهم أنأتي نحن ونقسو أيضًا؟ جميل أن نرى البسمة البريئة, الطاهرة, الصادقة في عيون كلّ الأطفال, في عيونٍ لا تعرف الكذب والنفاق ولا الغدر ولا الخيانة.