أرشيف
محمود بن عطية .. عامل بناء بسيط له طاقات فنية صارخة تنتظر الاحتواء
من مواد بسيطة جداً يصنع تحف فنية لها قيمة، " تحويل القبح إلى جمال"

حين يلتقي الفن بالجمال، لا شك في أن جسور التصافح تنحني. الصدف ترتب لأشخاص كثر مفاجآت، وتجعلهم في مواعيد مع حياة نَفَسُها الجمال والحبّ، كما التحدي، وفي أحايين أخرى تجعلهم على موعد مع آخر معاقل الحزن، بيد أن الأمر عند محمود بن عطية يختلفُ تماماً، فقد كان على موعد مع حياة فنية، يسودها السلام والودّ، وقمة الفرح في جوهرة البحر الأبيض المتوسط عندما ينغمس بين رسوماته ومؤلفاته وأعماله الفنية الأخرى وما يخالفهم من حزن وانطوائية وحب للوحدة أحيانا أخرى حين يحتك بالواقع المعاش بدءا من صوت جراره كل صباح .
الفنان الواعد، محمود بن عطية صاحب 29 عاما وفي لقاء خاص لمراسلتنا معه، أسهب بحديثه وتفصيل بداياته ومشواره في رحلة الفن وعالم الرسم والتخطيط والكتابة وغيرهم وكيفية اختياره لهذا الموضوع حيث قال :” بداية ومثل أية بداية لأي طالب بمشوار جديد، قد تكون هناك صعوبات وعوائق التي تواجهه في أيما موضوع يختاره لنفسه، وبشكل خاص إذا كان الموضوع لا يتماشى مع أفكار ومعتقدات بعض الناس”. فبالرغم من صعوبة ظروف معيشته وتدهور صحته التي حالت دون مواصلته الدراسة رغم انه كان متفوقا فيها وانعزل لفترة الأمر الذي جعله يتأمل في نفسه ويراجعها، فقرر تكوين وصنع لنفسه عالم خاص إذ كان يكرّر دائما “قم وقاوم” فلم يمل ولم يكل الشاب القوي من مواصلة رسم طريق نجاحه وصقل مواهبه فقصته مع اللوحة الفنية، وكتابة ما يختلج في أعماقه وحواره مع الريشة وأشياء يقوم بفرزها وانتقائها كي تكون أداة للرسم حياة جديدة ناجحة تدحض ماضيه المتعب والمؤلم، تراكمت جميعها في شخصيته، كي تولد ذلك الحلم الذي كان يرى فيه نفسه، ما همّ باجتياز قنطرة العلم. عازما بأن يكون مستقبلا قامة من قامات الفن بشعبه المتعددة.
فمحمود شاب له رؤية وفلسفة خاصة، يسعى لوضع بصمة في عالم الفن، يهتم بالقضايا الاجتماعية، بعيدا عن الإسفاف والتسطيح الفكري يعشق التعمق ويهتم بأدق التفاصيل. فهو فنان تشكيلي ومصمم ديكور وخطاط وشاعر وكاتب ألف كتاب بعنوان “قاوم” ومصور هاوي، ناهيك عن التعليق الصوتي، باختصار هو عامل بناء بسيط مدجج بالمواهب لم يجد من يحتويه ويستثمر في مواهبه بعد، يعمل بمنطقة ببومرداس يكسب من خلاله قوت يومه، ترعرع ببلدية أولاد موسى بين فن النقش والزخارف والمزركشات، بأدوات جد بسيطة حتى شبعت عيون طفولته وشربت الكثير من هاته الفنون، فقاسمته البيئة التي عاش فيها رزنامة تفاصيل فنية.
ومما عرف عنه أنه فنان مصمم لا يحب الأضواء، بل يترك للمتلقي للعمل الفني كامل الحرية في قراءة جل إبداعاته، ويدع أفكاره تنوب عنه. ليتخذ مواقع التواصل الاجتماعي على غرار الفيس بوك كمعرض مؤقت يحتوي إبداعاته الكثيرة والمثيرة للاهتمام، فلم تتوجه أنامل محمود بالرسم فقط بل تعدت جل ما حباه الله من مواهب، بنبرة واثقة يقدم دروس وشروحات مجانية لمتتبعيه والمهتمين بالرسم والتخطيط .
التجربة بالنسبة إلى محمود كانت رائعة، خاصة أنه أسهم ربما في اكتشاف مواهب تحتاج التشجيع والمصاحبة والمواكبة والتحفيز، “مواهب أبانت عن علو كعبها، في جل المجالات: التشكيل والتصميم والتعليق الصوتي، كما التخطيط”.
فعن حياة الفنان في الجزائر، يعلق محمود بالقول: “الفنان مهمش ولا يعيش حياة كريمة، أضف إلى ذلك أنه لم يجد الدعم الكافي. هناك غياب رؤية وخارطة طريق للنهوض بهاته الشريحة”. ويعتبر أن تغييب الفنان في جل هذه المحطات له آثار سلبية على الجيل المقبل. وأن لبعض وسائل الإعلام دور كبير في تعظيم من ليس له قيمة فنية وتافه وتغييب الفنانين الحقيقيين الذين يستحقون الدعم. أما عن هدفه الأسمى في المستقبل فهو أن يكون شعار الجزائر في الإبداع والتميز وطموحه القمة.