أرشيف

متنفس العائلات السطايفية.. جبل “مقرس” لوحة طبيعية وقبلة سياحية

قمة تطل على بلديات ودوائر وولايتين.. خيول وشواء وسط طبيعة عذراء.

لم أكن أتصور يوما أن الجزائر، على شساعتها وتنوع تضاريسها، بها لوحات فنية طبيعية أبدعها الخالق في غاية الجمال تصادفنا فقط في قناة “ناسيونال جيوغرافيك” والغرابة تكمن في أنها على بعد أميال فقط من مدينة سطيف..الفرصة كانت مواتية لاكتشاف ذلك حين نظم مركز “وطنية تي في” للتدريب السمعي البصري رحلة سياحية إلى منطقة من أجمل ماتراه في مدينة الهضاب العليا “جبل مقرس” بالتنسيق مع “جمعية الشباب للثقافة والإعلام”. المناسبة كانت مميزة لعشاق السياحة لاكتشاف المكان وتحفيز المتربصين الإعلاميين للتعبير بأقلامهم عما رأته أعينهم، ومن ثمة، إظهار قدراتهم الإعلامية، وما عزز فكرة اختيار المنطقة خضرة وجاذبية وسحر المكان فهو فضاء حقيقي يحتاجه أي زائر للترفية والترويح. جبل مقرس لوحة طبيعية سياحية تستحق الاهتمام وقبلة تنتظر منكم الزيارة والاستجمام والاستمتاع بالمناظر الطبيعية الخلابة لتنقية الآذان بالصوت الهادئ والرئة بالهواء النقي المنعش والأعين بصور طبيعية في قمة الجمال. اكتمل النصاب وبدأت المغامرة..

اليوم كان يوم جمعة، الجو دافئ عقارب الساعة تشير إلى الثامنة ونصف صباحا كنت متواجدة في مركز “وطنية تي في” مع رفقاء الرحلة، وما هي إلا لحظات حتى بدأت الوفود المشاركة تصل إلى المقر وابتسامة مرسومة على وجوههم المضيئة. اكتمل العدد وحين وصلت الحافلة التي تقلنا صعدنا واحدا تلو الآخر وبدأنا باختيار الأماكن وفضلت أنا الجلوس في المقعد الأخير ليتسنى لي الاستمتاع بالمناظر الخلابة خلف زجاج النافذة، ومنهم من فضل الجلوس في مقدمة ووسط الحافلة. صعدت منظمة الرحلة “شهيناز” وبدأت بتسجيل الحضور قبل موعد الانطلاق بلحظات..كان إجمالي الحاضرين من المولعين بالمغامرات وحب الاستكشاف ثلاثة وثلاثون من شباب وبنات..والوجهة كانت جبل “مقرس” الذي يبعد بحوالي 10 كيلومترات عن عاصمة الولاية سطيف. وقبيل انطلاق الرحلة رحنا نتبادل النكت فيما بيننا إلى أن جاء سائق الحافلة..وبدأت الرحلة.

 

..على أنغام “فيروز”

أخيرا انطلقنا نحو وجهتنا، بالضبط حين لامست عقارب الساعة التاسعة صباحا، مع العلم أننا لم نكن نعرف بعضنا إلا قليلا منا، ولكن رغم ذلك بدأنا نندمج معا في جو ملئ بالضحك والنكت ونتبادل التصفيق والأغاني..وانبهرت بصوت طالبة في الإعلام متربصة في مركز “الوطنية تي في” (س ب) فقد كان شجيا ومؤثرا..أطربتنا بأغنية للفنانة القديرة “فيروز” والفنان القدير الجزائري”رابح درياسة” لأغنيته الشهيرة “ياحياو ولاد بلادي” وقاسمني الإعجاب كل الحاضرين. وبينما هم مندمجون في الغناء والرقص والتصوير بعصا “السلفي” يلتقطون الصور بكل الوضعيات، كنت أنا أتأمل في المناظر الخلابة عبر زجاج النافذة الذي كان يعكس بصدق وبدون تحريف أو تزييف أو تكليف جمال مدينة سطيف، مدينة الحضارات، المدينة التي اقسم قيصر الرومان “نيرفا” أن يجعل منها عاصمة ثانية لإمبراطوريته.

 

“عين عباسة” و”الماوان” سحرتا الوندال والرومان

وعبر المناظر الخلابة والأراضي الزراعية الخصبة تبين لي سر تعاقب الاحتلال على المنطقة من الوندال والرومان والاستعمار الفرنسي الغاشم، في هذا الوقت دخلنا  منطقة عين عباسة المتمركزة شمال ولاية سطيف عبر منطقة سياحية عذراء تدعى “الموان” المطلة على “جبل مقرس”. مررنا بمنطقة ريفية واقعة في سفح جبل مقرس الذي يتجاوز علوه 1200 متر. وما يلفت انتباه الزائر لأول مرة سكان القرية الذين يغلب على نمط معيشتهم الطابع التقليدي متمسكين بعادات وتقاليد نشئوا عليها، مازال هناك بمنطقة “طاكوكة” الشيخ يرتدي “القشابية” و”الشاش” ويحمل العصا في اليد والتي ترمز إلى الرجولية والشهامة، أما إذا نظرت إلى نسائهم وخاصة العجائز تلمس فيهن “النية والبركة” لفقد أثار فضولي حقا ما رأيته..عجوز ترتدي “بنوار سطايفي” وتضع على رأسها “المحرمة” وتحمل الحطب وتقوم بأشغال شاقة، ذكرتني مباشرة بالنساء القبائليات لما يقمن بجني الزيتون في الجبال .وفي غمرة ذلك وعلى حين غرة أفزعني رفيق الرحلة (ع ن) وهو منبهر بجمال طبيعة جبل مقرس وهو يردد قائلا: “سبحان الله، سبحان الله” كان مندهشا لجمال الشجيرات راح يتحدث قائلا: “هذه الشجيرات شاهدتها في الشريعة، في فصل الشتاء حين تكتسي حلة بيضاء لن تصدقي عينيك تسحرك بجاذبيتها وجمالها الأخاذ”. وكان شكل الشجيرات التي يتحدث عنها زميلي يشبه إلى حد بعيد شجيرات أعياد الميلاد التي يستعملها الغربيون في الاحتفال برأس السنة الجديدة  قبل أن ينتقل هذا التقليد إلينا “للأسف”.

 

..وللرياضيين نصيب من الاهتمام

زملاء الرحلة في الحافلة لم يتوقفوا عن الغناء والتصفيق والزغاريد حتى كدنا نصل إلى أعلى قمة في الجبل مررنا بمركب رياضي وسياحي لا يزال  قيد الإنشاء، حسب ما صرح به رئيس بلدية عين عباسة الحالي لوسائل الإعلام في وقت سابق: “تم تجسيد مشروع المركبات الرياضية لاستقطاب النوادي الجزائرية، وما عزز الفكرة أن المنطقة احتضنت تجمعات كبرى للشباب خلال السنوات الأخيرة كان آخرها التربص الوطني الذي نظمته الاتحادية الجزائرية للرياضيات الجوية بالتنسيق مع نادي الرياضات الجوية بسطيف سنة 2014 “. تمثلت في استعراضات القفز بالمضلة من أماكن مرتفعة وبالإضافة إلى رياضة “الباراموتور”، وسبب اختيار جبل مقرس بالتحديد لإجراء التربص بحسب المدير التقني الوطني للاتحادية الوطنية للرياضات الجوية السيد عمار الحاج السعيد في تصريح كان قد أدلى به لوسائل الإعلام لكون أن الولاية تشهد قفزة نوعية في هذه الرياضة وتضم أماكن مناسبة جدا للطيران.

 

خضرة المكان وغياب السكان..

عند وصولنا إلى “عين المكان” ركن السائق الحافلة، وجدنا من سبقنا إلى الموقع انه  “ادريس قديدح” مخرج سنيمائي الحاصل على العديد من الجوائز للأفلام كان أخرها فيلم “الغياب” برفقة بعض طلبة “الوطنية” وقائد الرحلة “محمد بن غدفة “وطباخ الجولة السياحية فنزلنا من الحافلة وكانت مساحة الأراضي شاسعة تتجاوز 1500 هكتار مع أننا في قمة جبل وسط خضرة المكان في غياب أي تجمع سكاني..ومنا من قال “نحمد الله أن المكان خال من السكان وإلا لكان مصيره التلوث على غرار مناطق أخرى” وقد وجدت في كلامه جانبا كبيرا من الصحة. بدأ رفقاء الرحلة يلتقطون الصور هنا وهناك في أمكنة متفرقة والبعض الآخر بدأ يسير في الاتجاه الذي حدده قائد الرحلة للتخييم، ونحن في المرتفع وجدنا رياضيين هوايتهما الرياضات الهوائية كانا يستعدان للطيران فقام المخرج رفقة بعض الطلبة الإعلاميين والطلبة المتربصين في التصوير بإجراء مقابلة معهما وطرح أسئلة تتعلق بكيفية استعدادهما للطيران وأسباب اختيار المكان.

 

ألعاب ترفيهية وتغطية إعلامية..

دخلنا وسط الغابة نمشي بين الأشجار نلتقط الصور للذكرى، وسط أرضية خضراء ومبللة، نمشي بحذر تجنبا لأي حادث حتى وصلنا إلى المكان المخصص للتخييم وضعنا حقائبنا شكلنا حلقة وشرعنا في التعريف بأنفسها ثم بدا مسير الرحلة يشرح برنامج اليوم الذي خصص فيه فترة الصباحية لإجراء مسابقة فكرية تتخللها ألعاب ترفيهية بينما تتضمن الفترة المسائية ألعاب من نوع الفكاهة بالإضافة إلى “المونولوغ” نكت وتغطية إعلامية من طرف المتربصين الإعلاميين، ثم قمنا بتقسيم الأفواج إلى أربعة مجموعات كل فريق يترأسه قائد مجموعة ويختار اسما..كانت الأسماء غريبة، فريق فضل اسم “تكربابين” وآخر اختار اسم “ماسيدوان” والفوج الثالث “فريت حاشف”، أما نحن فاخترنا اسما يحمل بعدا تاريخيا من عمق المنطقة انه “ستيفيس”.. الرومان هم من أطلق هذه التسمية على مدينة سطيف حاليا وتعني التربة السوداء. وانطلقنا في لعبة تنص قواعدها على الإجابة على سؤال في كل مرحلة والفائز بأكبر عدد من النقاط هو الذي يحتل المركز الأول والثاني، مضت الفترة الصباحية الترفيهية مع التشجيع أعقب ذلك مسابقة مخصصة لأحسن طالب مبدع يقوم بعمل متميز أو حتى فكرة ليتحصل على أكبر عدد من النجوم.

 

عائلات تحضر الغداء وأخرى فضلت “الشواء”

منتصف النهار، كانت الساعة بالضبط 12:30..الجميع كان مرهق تفرقنا..والكل اختار مكان للاستراحة في انتظار تجهيز مائدة الغداء، في هذه لحظات ذهب مدير “الوطنية” والمخرج وبعض الطلبة لأداء صلاة الجمعة، بينما نحن افترشنا الأرضية وجلسنا في شكل دائري حضرنا مائدة الغداء وكنا متلهفين للأكل من شدة الجوع.

ما أثار غرابتي هي الوفود الغفيرة التي بدأت تصل إلى المكان، عائلات تحضر الغداء وأخرى اختارت الشواء على “الفحم” والأطفال يلعبون في كل مكان يمارسون كرة القدم، الركض وحتى رياضة القفز على الحبل، والبعض الآخر يمتطي الخيول التي أعطت هي الأخرى للمكان جمالا طبيعيا، في حين كانت هناك نساء قائمات في الصلاة، وحين فرغنا من تناول الوجبة التقطنا صور جماعية، ورحنا نغتنم الفرصة للتمتع أكثر بروعة المكان الذي كان يطل على مناظر خلابة لدوائر وبلديات سطيف وحتى ولاية بجاية، فمن نفس المكان يمكنك مشاهدة عين ولمان والعلمة والسطيف وعين الكبيرة وعموشة وتيزي نبشار وخراطة وعين عباسة وعين الروى.

 

شهادات قيمة وجوائز صادمة..

كانت الساعة تشير إلى الثالثة مساء اجتمعنا مجددا وجلسنا فوق العشب في شكل حلقة ومصور الوطنية يلتقط الصور، وقام مسير الرحلة محمد بشرح قواعد لعبة شيقة، وبعدها بدأنا نتبادل النكت، مع تقديم عرض مسرحي فكاهي لإحدى الطالبات، وكانت فترة أخرى مخصصة لتقديم برامج إخبارية بطريقة ترفيهية وفي ختام الجولة قمنا بممارسة لعبة شد الحبل ولم يكن يهمنا من يربح أو يخسر بقدر ما كان يهمنا الاستمتاع والتسلية.

وبعد توزيع الشهادات للفريق الفائز والجوائز لأعضاء الفرق التي احتلت المراتب الثلاثة الأولى.. كانت المفاجأة الهدايا المغلفة بشكل جيد والتي صدمت الجميع إذ لم تكن تتعدى علب وقارورات فارغة.

 

ختامها مسك..

وحين أشرفت الشمس على الغروب، بدأنا للاستعداد للعودة ذهب الجميع لتناول لمجة المساء بينما أنا وبعض رفقائي اتجهنا صوب الخيول وطلبنا من صاحب الخيل  الامتطاء عليها واخذ صور للقيام بجولة صغيرة حول المكان مقابل مبلغ رمزي فوافق وبدأنا نصعد الواحد تلو الآخر ونلتقط الصور لبعضنا البعض ثم التقطنا صورا لصاحب الخيل وهو يمتطيها ويروضها بوضعيات مختلفة، وما إن حانت لحظة العودة ركبنا الحافلة وجلست هذه المرة في المقعد الأمامي ويبقى المميز في مثل هذه الرحلات السياحية التعرف على جمالية المكان والتسلية والترفية والتقاط الذكريات التي سترسخ في حتما في أذهاننا.

مريم مرابط.

وطنية نيوز

قناة وطنية نيوز، إخبارية رقمية تابعة لمجمع وطنية ميديا الإعلامي، تهتم بالأخبار الوطنية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق