فن الارتقاء بالحياة

في عالم يموج بالتغيرات، وتتعاقب فيه موجات الحياة بين التحدي والفرص، يصبح تهذيب النفس وصقل المهارات الشخصية واجبًا لا غنى عنه. فليس الإنسان بما يملك، وإنما بما يصنع من نفسه، وبما يضيفه للحياة من أثر وبصمة تظل شاهدة على مسيرته.
إن أول خطوات النهوض تبدأ من معرفة الإنسان لذاته؛ حين يتأمل أعماقه ليكتشف ما فيها من طاقات دفينة، ومواهب كامنة تنتظر أن تُروى بالجهد والإصرار. فالنفس مثل الأرض الخصبة، إن اعتنيت بها أنبتت خيرًا، وإن أُهملت غمرها العشب واليبس.
وليس الارتقاء بالنفس أمنية تُردد في أوقات الحماس، بل مسار طويل من التأمل والممارسة والانضباط. إنه التزام يومي تجاه الذات؛ أن نُحسن الإصغاء للضمير، وأن نصحح أخطاءنا قبل أن تتجذر، وأن نجعل من كل تجربة درسًا، ومن كل إخفاق خطوة نحو نضج أعمق.
إن المجتمعات المتقدمة لم تنهض بكثرة الموارد، بل بإنسانٍ واعٍ يعرف كيف يدير وقته، وكيف يُعبّر عن فكره دون أن يجرح، وكيف يحوّل ضعفه إلى مصدر قوة. فالإنسان الواعي هو الركيزة الحقيقية لكل نهضة، وهو الثروة التي لا تنضب مهما تغيّرت الأزمنة.
ومن أبرز سمات الشخصية الواعية القدرة على التواصل الفعّال، وضبط الانفعالات، والتفكير المتزن في مواجهة المواقف. فالحياة اليومية امتحان متواصل للإنسان، يختبر فيه صبره ومرونته وقدرته على التعامل مع الآخرين بحكمة واتزان.
أما من يسعى إلى التغيير دون صبر، فإنه كمن يزرع اليوم ويريد أن يحصد غدًا؛ بينما التهذيب الحقيقي للنفس يحتاج إلى وقتٍ ليزهر، وإلى تجارب تصقله، وإلى عزيمةٍ تُبقيه على الطريق حتى وإن طالت المسافة.
إن النجاح ليس حظًا، بل ثمرةُ عملٍ منظم ورؤيةٍ واضحة. هو نتاج إنسانٍ قرر أن يكون فاعلًا لا متفرجًا، وأن يكتب قصته بيده لا أن يتركها تُكتب عنه. وكل من أراد أن يبلغ القمة، فعليه أن يطوّر لغته مع ذاته أولًا، ثم مع العالم من حوله، فيكون إيجابيًّا، بنّاءً، يدفع الخير أينما حلّ.
ولعل أجمل ما في مسيرة الارتقاء بالإنسان أنها رحلة لا تنتهي، يتبدّل فيها الفكر، ويتعمق الوعي، وتزداد الرغبة في التقدم. فكل تجربة تضيف بعدًا جديدًا، وكل لقاء يُفتح به أفقٌ من الفهم، وكل تحدٍّ يخلق فينا طاقة جديدة لا نعرفها إلا حين نخوض غمار الحياة بصدق وإصرار.
فلنحرص أن نكون في سباق مع أنفسنا لا مع الآخرين، نُجدد أهدافنا، ونُنمّي مهاراتنا، ونُهذّب سلوكنا، لنصبح أكثر نضجًا واتزانًا. فبقدر ما نسمو بأنفسنا، يسمو مجتمعنا، وتنهض أوطاننا بأبنائها الذين حملوا الوعي رسالة، والعزيمة منهجًا، والعمل سبيلاً.

*بقلم /محمد عمر حسين المرحبي*

بواسطة
عمر حسين المرحبي

وطنية نيوز

قناة وطنية نيوز، إخبارية رقمية تابعة لمجمع وطنية ميديا الإعلامي، تهتم بالأخبار الوطنية.

مقالات ذات صلة

إغلاق