مجتمـع
أم البواقي:البدو الرحل… حياة ترحال قاسية وصراع دائم

ما زال البدو الرحل في العديد من مناطق و لاية أم البواقي يقاومون قسوة الطبيعة المحيطة بهم، ويحملون بفخر المشعل الذي ورثوه عن أجدادهم المؤسسين لهذا النمط المعيشي المعتمد على التنقل الدائم والرعي، ويرفضون الإذعان لفكرة الاستقرار، رغم كل التناقضات مع أشكال الحياة العصرية وصعوبة تقبل هذا الوضع من قبل الأجيال الصاعدة،وتحاول تطويع الطبيعة والتعايش مع المناخ المتقلب صيفاً وشتاء للبقاء.
تغيرت الظروف وطبيعة الحياة وتفاصليها لكن البدو ممن يقيمون في العديد من مناطق الوطن، وهم أكثر من شريحة تحاول التمسك بنمط عيش بسيط لا يتقاطع إلا في تفاصيل صغيرة مع الحداثة التي غزت حياة المدينة ، فما زالوا يرتبطون بالأرض والطبيعة التي تحدد اختيار المكان الذي يقيمون فيه فترة من ألزمن ، مع توفر الكلأ والماء لمواشيهم. عاش الرحل لسنوات خلت على الطبيعة دون الحاجة إلى أي خدمة أساسية، فهم يسكنون الخيام دون ربط بالكهرباء أو الماء الشروب، ولا يسجلون عقود الزواج ، ولا الأطفال في السجلات المدنية، أما التعليم والصحة فقد كانا من الرفاهيات في نظرهم حتى وقت قريب.
ولأجل ألبقاء يعيش البدو الرحل في صراع يومي من أجل كسب معركة ألحياة ،عشرات العائلات تتنقل رفقة مواشيها من دون غاية سوى الكلأ والماء والأمن ، يقطعون المسالك الوعرة باتجاه المدن الداخلية في الهضاب بحثا عن العيش الآمن ولا تهمهم المسافات الطويلة ، يرحل البدو بخيامهم المصنوعة من الوبر وأغنامهم وإبلهم وأغراضهم عبر مختلف مناطق الولاية، ما زالت تفاصيل حياتهم اليومية مرتبطة بالحطب لإشعال النار وإعداد الخبز والذي يؤكل مع البصل وشحم ألإبل وهو غذاؤهم اليومي مع الشاي الذي يعد على الجمر.
كثيرون من بينهم يعيشون في عالم آخر لا علاقة له بالمجتمع الجزائري العادي إذ لم يتأثروا بتطورات الحياة بالإضافة إلى بعدهم الدائم عن صخب المدن.
في هذه السنة ازدادت معاناتهم بسبب التحول المناخي الذي تشهده مناطق و لاية ام البواقي. وتواجه البدو الرحل تحديات متواصلة تحول نشاطهم إلى مهمة شبه مستحيلة ،مع ضغط النمو الديموغرافي وتقلص الغطاء النباتي وأبار المياه وانتشار الملكية الخاصة ،وهذا ما يؤدي في كثير من الأحيان إلى مواجهات حقيقية بين السكان المحلين والبدو القادمين من الجنوب وصراعهم اليومي مع قطاع الطرق و لصوص المواشي ، وقد تصل المواجهات أحيانا إلى حد الاعتداءات الجسدية .
ومؤخرا بدأت جمعيات من المجتمع المدني والجمعيات بتحسيس البدو الرحل وتوعيتهم بأهمية تحسين وضعهم الصحي، بسبب توالي التقارير والأرقام المحذرة من تدهور وضعهم وتسجيل نسبة وفيات مرتفعة، خصوصا لدى النساء الحوامل والأطفال الرضع.
ومما لا شك فيه أن جلسات الرحل وحديثهم حول كؤوس الشاي لا يخلو من قصص بني جلدتهم الذين قرروا التمرد على هذا النمط المعيشي المميز لمسار فئة من سكان الجنوب الجزائري ، ليرضخوا في الأخير لضغوط الحياة والأبناء، فأصبحوا يرون في حياة الاستقرار منافع وإيجابيات لم يرها أجدادهم لسنوات وعقود من الزمن.