وجهة نظر

كورونا يدق أبواب رمضان

بوخليفة لبنى

بات واضحاً بعد مدة من إعلان فيروس كورونا وباءً عالمياً، أنّ الشعائر الدينية كانت من مناحي الحياة الأكثر تأثراً بانتشار العدوى، وللمرّة الأولى في التاريخ الحديث، تخلو ساحة الحرم المكّي في السعودية بالكامل من المصلّين، تعلّق العمرة إلى أجل غير مسمّى، وتطلب السعودية من الراغبين بالحج تأجيل حجوزاتهم لموسم الحج المقبل في الوقت الراهن، ولأول مرة في تاريخ الجزائريين ستتغير عبارة ” ارواح تفطر معايا ” لتصبح “شد دارك و افطر في بيتك”، عبارة قاسية، مؤلمة خاصة، وأن ما يميِّز القطر الجزائري من تقاليد وعادات
هو نسيج إجتماعي متنوِّع يطبع ولايات الجزائر، جعل من موسم الطاعات فرصة لإبراز هذا التميز الموروث عن الآباء والأجداد، فقُبيل رمضان تحرص العائلات الجزائرية على تحضير ما يلزم لإستقبال هذا الضيف العزيز، فتجتهد ربَّة البيت في تنظيف المنزل، وإقتناء أوان جديدة، وشراء ما يلزم للموائد الرمضانية، وبقية لوازم ترتيب مائدة الإفطار، لتكون الكورونا سببا في عدم خروج العديد، من النساء للقيام بشراء ما ينبغي من الأغراض اللازمة للترحيب بهذا الشهر، وككل سنة يختلف توقيت رمضان عن بقية أيام السنة، فأغلبية المؤسسات العامة تفتتح يومها في الساعة التاسعة صباحًا، لتُواصل تقديم الخدمات حتى الرابعة مساء عوضًا عن التوقيت الصباحي والمسائي المعتاد، وتنشط الحركة التجارية خلال يوم رمضان بشكل لافت للإنتباه، في حين تحاول رَبة البيت إعداد مائدة الإفطار بعد أن خصَّص لها رب العائلة ميزانية مالية خاصَّة، ولكن هذا قبل أن يدخل وباء الكورونا مصطلحا جديدا للمجتمع الجزائري و هو الحجر الجزئي أو الشامل، الذي يمنع التجول في وقت محدد لولايات الوطن ويعاقب كل من يتجاوز القانون، ليختلف بذلك البرنامج اليوم للجزائري: بين العمل، والدراسة، والتجول في سوق حيه أو الجلوس مع أصدقاءه، والإجتهاد في إغتنام أيام وليالي رمضان، حسب هِمة كل واحد، من تلاوة القرآن في المساجد، والمداومة على صلاة الجماعة، والصدقة، وصلة الرحم، ومختلف أبواب العمل الصالح رفقة جماعة من أحباءه، لعدم الخروج من المنزل إلى للضرورة القصوى و ليمضي به الحال للبقاء في بيته حاملا كتاب الله يدعوه لرفع الوباء، فلا تشهد شوارع الجزائر سكونًا قُبيل آذان المغرب، لأن الكل يلزم بيته في الوقت المحدد لمدينته، و لخطوات المصلِّين إلى بيوت الله لأداء الصلاة، أما عبارة التهنئة بإتمام صوم يوم رمضان، و التي كانت تتردَّد على لسان الصغير والكبير: “صَحَّ فطوركم”، تلخص في مواقع التواصل الإفتراضي، ليصبح هم الجزائري إنهاء طبقه مسرعا للبحث عن تفاصيل جديدة لمستجدات كورونا، و عن معرفة تفاصيل أخرى متعلقة بالمواطنين الجزائريين، مشغول البال عن ذوي الدخل الضعيف وعن مصير كل جزائري يقتات من يومه، وذلك بعد أن كانت تظهر أواصر التكافل الإجتماعي بين الجزائريين من خلال ما يُعرف عندنا بـ “موائد الرَّحمة”، وهي موائد إفطار جماعية تقدَّم لعابري السبيل، والمحتاجين، والمشرَّدين، تحقيقًا للترابط الإجتماعي.
و هذا ما يعرف به المواطن الجزائري وقت “الشدة” و خاصة في ظل إنتشار أزمة كورونا التي جعلت روح التضامن بارزة من خلال تعاون الجمعيات الخيرية وقيامهم بمبادرات ملهمة تحت شعار قفة الأزمة للمحتاج فرغم السلبيات هناك دائما بصيص من الإيجابية في الشعب الجزائري خاصة في شهر رمضان المبارك الذي يختلف عن بقية الأشهر العادية، وبالنسبة لأكثر الأمور إرهاقا للمواطن الجزائري هي لياليه التي تختلف عن باقي ليالي العام، فبعد أن كان بعد الإفطار مباشرة، تتجدَّد الحركة عبر شوارع الجزائر، فمن الجزائريين مَن يقصد المساجد لأداء صلاة التراويح، ومنهم مَن يقصد المقاهي لقضاء وقت مع الأصدقاء، وغالبًا ما تكون الزيارات الأسرية بعد التراويح، تصبح الشوارع خالية تسكنها السكينة و دوريات الشرطة تحوم أزقتها، والعائلات في بيوتهم، والكل ينتظر إنتهاء الوباء وقدوم العيد بتفاصيله، وتعم الأفراح مجددا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق